متى أرعبني فيروس “كورونا”؟
قبل أشهر، وأنا أتجول عبر المواقع الإخبارية العالمية، قرأت خبرا عن مرض غامض بالصين، وقتها لم تكن المعلومات مؤكدة أو كثيرة عن المرض، ولا حتى إسم محدد له، كانت المواقع الإخبارية الصينية والعالمية تكتب فقط عن “مرض مجهول”.
لم أفكر في البداية بكتابة خبر عن الموضوع، قلت لنفسي: “غير مهم، من الممكن أن تكون إشاعة، أو تهويلا للأمر من قبل الصين لأغراض سياسية.. وممكن أيضا أن تكون كذبة مدبرة… شاهدت هذه البدايات كثيرا في الأفلام…”.
بعد أيام قليلة من قراءة أخبار متقطعة عن “المرض الغامض”، بدأت أخبار موت مصابين بفيروس جديد في الصين تجتاح المواقع الإخبارية العالمية ومواقع التواصل الإجتماعي، هنا، تذكر تتمة الأفلام التي أشاهدها بإستمرار حول نهاية العالم: فيروس غامض ينهي العالم.. ولكن، هل الفيروس سيقتل البشرية أم سيحولهم إلى “موتى أحياء”؟؟
لم أصدق بعد أن الفيروس يمكن يتجاوز القارات ويصل إلى المغرب، لذلك استخففت بالموضوع.. وبالفيروس.
بدأت فيديوهات محاصرة مدينة “ووهان” بالانتشار عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وأخرى لمصابين يسقطون أرضا بسبب الفيروس، الذي أطلق عليه إسم “كورونا”، كنت أشاهد الفيديوهات وأتذكر أحداث أفلام نهاية العالم، وعند حديثي مع أصدقائي حول الموضوع، دائما أعلق بطريقة مستهترة ومازحة: “شاهدت كثيرا تلك اللقطات في الأفلام…”، ليس لأني لم أصدق صحة المرض، بل كنت أرجح انه سيكون مثل مرض “ايبولا” أو “انفلوانزا الخنازير”، سيصل الى المغرب ولكن ليس بتلك الخطورة التي يروج لها.
تسارعت الأحداث فيما بعد، المغرب قرر إرجاع المغاربة العالقين في الصين، ولكن مع إجراءات إحترازية دقيقة، هذا جعلني أطمئن نفسي.. “لن يفتك كورونا بالعالم”… بعدها استمرت الأحداث بالتطور ولكن بشكل عادي، سياح ومغاربة قادمون إلى المغرب من أوروبا ودول أخرى.. لم تتم عملية فحصهم في المطار كالصينيين، قلت مع نفسي: الدولة أيضا تعرف أن هذا الفيروس بعيد عنا.. لا خطر علينا منه.
مع بداية شهر فبراير تقريبا، توقفت عن قراءة أخبار كورونا في العالم، استهنت به صراحة، حتى بعد تسجيل أول حالة في المغرب، أقول دائما: “هانيا هانيا” وسط خوف زملائي في العمل وأصدقائي، الذين يلعنون سوء حظهم بسبب إلغاء سفرياتهم إلى أوروبا خوفا من “كورونا”، وحتى بعد إعلان وقف التجمعات والمهرجانات وحتى وقف المدارس… كنت مرتاحة ولا مبالية.
فمتى أرعبي فيروس”كورونا”؟
في 16 من مارس 2020، قررت إدارة موقع “سيت أنفو” توقيف العمل داخل المكتب، وبدء الصحفيين العمل من المنزل، وإتباع التقنيين إجراءات مشددة خلال مزاولتهم لعملهم الميداني، كانت بالنسبة لي مبادرة مميزة لتقليل التنقلات والحد من إنتشار الفيروس وسط المواطنين… بعدها أُعلن عن إغلاق المطاعم والمقاهي، خبر جعلني أرتاح أكثر، وأطور في نفسي فكرة إنتهاء انتشار الفيروس قريبا داخلة المملكة، خصوصا بعد إعلان حالة الطوارئ ليلة الجمعة 20 مارس.. بالنسبة لي المغرب يتفوق على توقعات شعبه…
الرعب، بدأ ليلة السبت- الأحد، بعد يوم واحد من إعلان الحجر الصحي وحالة الطوارئ الصحية بالمغرب.. بدأ عندما رأيت شبابا ومراهقين طُلب منهم فقط المكوث بالمنزل، يتحدون رجال الأمن ويخرجون في مجموعات إلى الشارع فقط من أجل التحدي والمعارضة، تحت شعار “كل ممنوع مرغوب”.
بدأ الرعب، عند رؤيتي مقاطع فيديو لأطفال يجولون الشوارع وهم مستمتعون بهربهم من رجال الأمن، الذين لا يطالبون بشيء سوى دخولهم إلى المنزل، ومقطع فيديو آخر لسيدة تهاجم رجل سلطة لكونها تريد “روشارج”، ولرجل يعارض الأمن بسبب “قلة مايدار”…
هنا بدأت في لوم نفسي.. ماذا لو أني الآن أدفع ثمن عدم مبالاتي بخطورة الفيروس منذ البداية؟ ماذا لو كنت الآن أحمل الفيروس وأوصلته لأمي وأبي وأخوتي ولأصدقائي في الأيام التي تجاهلت فيها التعقيم وعدم التقبيل والعناق؟
كيف سأقنع الأشخاص الذين مازالوا يستهزؤون بخطورة العدوى لحد الآن بأنهم سيندمون قريبا على أفعالهم؟
فخوفنا اليوم ليس من الموت.. الخوف هو من مستقبل دائم مع الفيروس، أن نعيش كل يوم لما تبقى من حياتنا بالكمامات والقفازات والتعقيم المستمر.. أن نرتعب من فكرة إرسال أطفالنا إلى المدرسة خوفا من العدوى، وأن نُمنع من رؤية أصدقائها وأقربائنا، وأن نعيش لما تبقى لنا من العمر في حجر يضيق أكثر فأكثر، بسبب قلة مبالاتنا بأهمية الوقاية في هذا الوقت الحساس.
لحد كتابة هذه الأسطر.. مازال الوقت ملائما لتدارك الأمر، فاليوم ولأول مرة يتفق العالم على خطة واحدة لإنقاذ المستقبل “بقا_فدارك”.. مازال الحجر الصحي أملا كبيرا لنعود لعيش حياتنا السابقة.. وربما لتحقيق أفضل منها، فلما لا نجرب هذا الحل: نعاونو_البلاد_ونبقاو_فالدار.