تقرير إخباري- سنة أولى في جحيم “كورونا”.. هل استطاع المغرب تفادي الكارثة؟
استطاعت الدولة المغربية التعامل مع جائحة كورونا بنوع كبير من الثبات والاتزان في تبني قرارات مصيرية للمواطنين، خاصة البسطاء منهم، رغم حزمة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وحتى النفسية، التي أرخت بظلالها منذ مارس الماضي، تاريخ اكتشاف أول حالة إصابة بالفيروس في المملكة.
فمنذ الشهر الأول، وبعد اكتشاف أول حالة، تحركت الدولة بسرعة قياسية، بأمر من الملك محمد السادس، لإغلاق الحدود الجوية والبحرية والبرية، ثم إعلان حالة الطوارئ وفرض حجر صحي شامل؛ إجراءات مكّنت البلاد من محاصرة الفيروس، وتجنب الأسوأ خلال الموجة الأولى.
اليوم وبعد مرور سنة كاملة عن تسجيل أول حالة إصابة بـ “كوفيد” (2 مارس 2020)، بلغ عدد مصابي المغرب بالفيروس، إلى حدود أمس الاثنين 1 مارس 2021، 483766 حالة، مقابل 469345 حالة شفاء و8637 حالة وفاة، أما الحصيلة الاجتماعية والاقتصادية فكانت كبيرة جدا. فماذا استطاع المغرب أن يحقق على مدار هذه السنة؟
إجراءات فوق المتوقع
بتاريخ 15 مارس من العام الماضي، أعطى الملك محمد السادس تعليماته للحكومة قصد إحداث صندوق لتدبير ومواجهة وباء “كورونا”.
وفرت للصندوق اعتمادات بمبلغ 10 ملايير درهم، خصصت من جهة للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل والمعدات الطبية، ومن جهة ثانية لدعم الاقتصاد الوطني عبر العديد من التدابير التي اقترحتها الحكومة، من قبيل مواكبة القطاعات الأكثر تضررا بفعل انتشار الفيروس.
أيام قليلة على إعلان إطلاق جمع التبرعات في صندوق الجائحة، وتحديد في 21 مارس 2020، أطلقت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة خدمة الرسائل النصية (sms) على الرقم الهاتفي 1919 لمشاركة جميع المواطنين الراغبين في دعم الصندوق، مشيرة إلى أن كل رسالة نصية بمثابة هبة بقيمة 10 دراهم.
تبرعات الصندوق عجّلت بإعلان صرف منح “كوفيد” لفائدة القطاعات المتضررة من الجائحة، حيث تم تخصيص مبالغ مالية للفئات الهشة والأشخاص الذين توقفوا عن العمل لمساعدتهم على تلبية احتياجاتهم الاستهلاكية اليومية.
قيمة المساعدات بلغت 800 درهم بالنسبة للأسرة المكونة من فردين أو أقل، و1000 درهم بخصوص الأسرة المكونة من ثلاثة إلى أربعة أفراد، ومبلغ 1200 درهم للأسرة التي يتعدى عدد أفرادها أربعة.
ليس هذا فقط؛ بل خصص صندوق دعم جائحة “كورونا”، مبلغ 2000 درهم شهريا للعاملين المتوقفين عن العمل والمنخرطين في صندوق الضمان الاجتماعي.
أما عن الكلفة المالية للعملية، فبلغت 21 مليار درهم، قدمت لما يفوق 5 ملايين أسرة، 45 في مائة منها بالعالم القروي وحوالي مليون أجير، حسب تصريحات وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون.
وفي هذا الصدد، كشفت وزارة الاقتصاد والمالية أنه إلى حدود غشت الماضي، بلغ إجمالي الموارد التي تم ضخها في الصندق 33.7 مليار درهم.
وكشف بنشعبون، خلال مناقشة مشروع قانون مالية سنة 2021، أن الحكومة مكنت ما يفوق 77 ألف مقاولة صغيرة جدا وصغرى ومتوسطة من الولوج للتمويل، بضمان يفوق 90 في مائة من طرف الدولة وبنسبة فائدة لا تتجاوز 3.5 في مائة.
الإجراءات لم تقف عند هذا الحد، بل تم التوصل إلى اتفاق مع الأبناك المغربية لإيقاف الاقتطاعات البنكية عن السكن والقروض الاستهلاكية لمدة ثلاثة أشهر، في عز أزمة الحجر الصحي، إضافة إلى منح المقاولات “قرض ضمان أوكسجين” لدفع أجور موظفيها.
وفي وقت كانت فيه العديد من الدول الأوروبية تعاني من ضعف إنتاج الكمامات الواقية لمواطنيها، فاجئ المغرب الجميع، وبضربة استباقية، حوّلت مجموعة من شركات النسيج إنتاجها إلى صنع الكمامات بمختلف أنواعها، فغزت السوق الوطنية كمامات بـ80 سنتيم للقطعة، ليتم توفير الاكتفاء الذاتي منها، وانطلاق صنع أخرى موجهة للسوق الأوروبية وسوق إفريقيا جنوب الصحراء.
وحسب مولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، فقد استطاع المغرب إنتاج 350 مليون كمامة منذ مارس الماضي، إذ يتم إنتاج 16 مليون منها بشكل يومي.
قرارات وإجراءات استباقية، وصفها المحلل والخبير الاقتصادي، عمر الكتاني لـ “سيت أنفو”، بأنها “ناجحة” على جميع الأصعدة، مبرزا أن اختيار المغرب صحة المواطنين على حساب الاقتصاد “لم يكن بالأمر السهل خاصة بالنظر إلى البنية الاقتصادية لبلادنا، لكنه أبان عن تخطيط دقيق ورؤية استباقية للأمور”.
وشدد الكتاني على أنه على الرغم من الأزمة التي عاشها الاقتصاد المغربي خلال السنة الفارطة، إلا أنه يتوقع أن تستعيد المقاولات مكانتها ورواجها خلال السنة الحالية، مفسرا بالقول “المغرب سيخرج من الأزمة بأقل الأضرار، وفي اعتقادي النجاح المغربي يكمن في سرعة الحماية والوقاية”.
كل هذا دون الحديث عن الإجراءات التي وضعت لاستفادة المواطنين من البروتوكول العلاجي، ومضاعفة الوسائل والإمكانات المتوفرة في المستشفيات المغربية، التي وإن توجه إليها مجموعة من الانتقادات إلا أنها تمكنت، بما يتوفر لها، من إنقاذ العديد من مرضى “كوفيد 19”.
وفي خضم الحديث عن تطبيب المواطنين وتوفير البروتوكول العلاجي لهم في المؤسسات الاستشفائية العمومية، يتبادر إلى الذهن سؤال جوهري مفاده، كم كلف البروتوكول العلاجي لـ “كوفيد 19” المغرب خلال السنة الأولى من انتشار الفيروس. هو سؤال تحفظ مصدر من وزارة الصحة عن الإجابة عنه في حديث لـ “سيت أنفو”، بدعوى أنه لم يتم بعد الانتهاء من تطبيب المواطنين، وبالتالي لا يمكن معرفة إجمالي ما تم صرفه.
ومقابل ذلك، يرى عضو اللجنة الوطنية الاستشارية للتلقيح في المغرب، مولاي مصطفى الناجي أن الكلفة المادية للعلاج “باهظة”، مبرزا أنه تم تخصيص زهاء 300 مركز للعلاج وتسخير ما يزيد عن 100 فريق طبي مختلف ربوع المملكة، إلى جانب الموارد المالية التي خصصت لاقتناء اللقاحات المضادة للفيروس.
أزمة اقتصادية وضعف الإمكانيات
جهود الدولة المغربية كلها تبقى ورغم أهميتها “غير قادرة” على الاستمرار أكثر في ظل الجائحة، إذ أن أي ارتفاع مهول في نسبة الإصابات من شأنه أن يعيد سيناريو الحجر الصحي الشامل للواجهة، وهوما حذر منه الملك محمد السادس في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب، حين قال: “إذا دعت الضرورة لاتخاذ هذا القرار الصعب، لا قدر الله، فإن انعكاساته ستكون قاسية على حياة المواطنين، وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية”.
ودق الملك ناقوس الخطر، قائلا: “هذا الدعم لا يمكن أن يدوم إلى ما لا نهاية، لأن الدولة أعطت أكثر مما لديها من وسائل وإمكانات”.
تحذيرات الملك محمد السادس خلال فترة الجائحة، ساهمت بشكل كبير في خلق وعي جماعي لدى المواطنين، بضرورة التقيد بالشروط المفروضة من قبل الحكومة ووزارة الصحة لتجنب السيناريوهات السيئة.
وفي هذا الصدد، قال محمد شقير، محلل السياسي، باحث في العلوم السياسية لـ “سيت أنفو”، إن أهم إشارة تحيط بتوجيهات الملك طيلة فترة الجائحة هي أن “أعلى سلطة في البلاد أشرفت على العملية ككل؛ حيث لم تترك الأمور لأي مؤسسة من غير المؤسسة الملكية”، مشددا على أن التعبئة الجماعية للمواطنين تمت بفضل الخطب الملكية، ولم يكن هناك أي مجال للمزايدات.
وأضاف الشقير أن “المؤسسة الملكية كانت حاضرة على مدار السنة بثقلها، الشي الذي ساهم في إنجاح طريقة تدبير الجائحة، سواء في بدايتها أو في تتبعها أو بالنسبة عملية التلقيح”.
أرقام مخيفة
انعكاسات وباء كورونا على الاقتصاد الوطني ظهرت جليا عند مناقشة مشروع قانون مالية سنة 2021؛ عجز في الميزانية يتجاوز 55.5 مليار درهم، وارتفاع يناهز 25 في المائة بالمقارنة مع سنة 2020، مقابل انخفاض الناتج الداخلي الخام بنسبة 5 في المائة.
أما بنك المغرب، فتوقع أن يصل معدل الركود الاقتصادي إلى 5.2 بالمائة هذه السنة، بسبب الجائحة وقلة الأمطار، التي تراجعت بحوالي 46 في المائة، بينما انتقل معدل البطالة من 4,9 في المائة إلى 12,7 في المائة على الصعيد الوطني، ما يؤكد على أن الإسراع إلى اكتشاف حل نهائي يبقى الأسلم للخروج من النفق المظلم.
مقابل النجاح في تدبير الجائحة، هناك العديد من التراجعات المرصودة على مدار السنة، والتي كشفت أن المداخيل السياحية تناقصت بنسبة 53.8 في المائة سنة 2020، بعد ارتفاع بنسبة 7.8 في المائة سنة قبل ذلك، وهو ما يمثل خسارة بقيمة 42,4 مليار درهم، وفقا لما أفادت به مديرية الدراسات والتوقعات المالية.
وحسب المندوبية السامية للتخطيط، فإن نسبة ضئيلة من المقاولات هي التي استفادت من التدابير المُواكبة في مواجهة وباء كوفيد 19.
كما اتخذ المغرب مجموعة من الإجراءات الموازية لدعم النسيج الاقتصادي وضمان استمرارية المقاولات، همّت هذه الإجراءات على وجه الخصوص، تأجيل استحقاق القروض بالنسبة للمقاولات التي تواجه صعوبات مالية، وتأجيل المواعيد الضريبية وكذا تدابير الدعم الأخرى التي تهدف إلى الحفاظ على الشغل وعلى خزينة المقاولات.
فبالنسبة للمقاولات التي لم تستفد من أي من هذه التدابير التمويلية فقد شكلت 67.2٪، تعتقد 24٪ منها أن السبب الرئيسي يكمن في تعقيد الإجراءات، يليها نقص المواكبة 18٪.
وحسب الفئة، تشير أكثر من ربع المقاولات الصغيرة جدا إلى أن تعقيد الإجراءات يشكل عائقا أمام الاستفادة من هذه التدابير التمويلية في خضم الأزمة، مقابل 20٪ بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة و12٪ بالنسبة للمقاولات الكبرى.
سرعة وتوجيهات الملك
تحذيرات الملك محمد السادس من التراخي في إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، وبسطه لإمكانيات الدولة، لم تقف عند هذا الحد، بل سارع الملك إلى البحث عن منفذ من الأزمة، فكانت المباحثات بينه وبين شي جينبينغ، رئيس جمهورية الصين الشعبية، في نهاية غشت الماضي، أولى بشائر الخلاص.
لم يكن اختيار طريق المختبرات الصينية ضربة حظ، بل لأن الصين تعتبر الثانية عالميا في مجال البحث العلمي، ناهيك على أن 4 لقاحات من أصل 11، التي وصلت اليوم إلى المرحلة السريرية، هي صينية صرفة.
معطيات دفعت المغرب إلى المشاركة في التجارب السريرية للقاح كورونا بـ600 فرد تفوق أعمارهم 18 سنة، مقسمين إلى عينتين، تم تطعيم عينة منهم باللقاح الصيني، الذي يحتوي على فيروس وهن، وهي تقنية تقليدية وآمنة في إنتاج اللقاحات.
التجربة السريرية، التي شارك فيها عسكريون وأمنيون مغاربة، كانت عشوائية وتم إجراؤها في 3 مراكز عبر تراب المملكة، ما مكّن من الحصول على معطيات علمية على مستوى كبير من الدقة، حتى أن وزير الصحة، خالد أيت الطالب، وصفها بـ”الجد مرضية”، ولم تسجل خلالها أي آثار جانبية عند المشاركين.
ويرى خالد آيت الطالب، وزير الصحة، في حوار أجراه معه موقع “سيت أنفو”، أن التجربة السريرية للقاح مهمة في تاريخ المغرب، إذ أنها المرة الأولى التي تقوم فيها المملكة بمثل هذه التجربة.
وكشف وزير الصحة أن التجربة السريرية التي أبانت عن حنكة الكوارد الطبية المغربية، ستمكن من إنشاء مصنع لتصنيع اللقاحات تحت إشراف الصين، التي ترى بدورها أنه يجب البحث عن حلول موازية للقاحات للخروج من الأزمة.
استباقية المغرب أعطت أكلها بالفعل، إذ عقد الملك محمد السادس جلسة عمل، يوم الاثنين 9 نونبر الماضي، وأمر بالاستعداد لحملة التلقيح تهم حوالي ثلثي الساكنة.
وحين استغرب الجميع من القرار المغربي، ووصفه البعض بـ “المتسرع”، أعلنت أندونيسيا والولايات المتحدة الأمريكية عن انطلاق حملة التلقيح ضد الفيروس في أواخر شهر دجنبر، لتنصف الخطة التي وضعتها الدولة المغربية لمحاربة الفيروس بشراكة مع المختبر الصيني سينوفارم.
لكن لأسباب مجهول، فالحملة الوطنية للتلقيح ضد الفيروس لم تنطلق في دجنبر المنصرم كما كان مسطرا، الشيء الذي أعاد جدل الانتقاد من جديد، ودفع البعض إلى التشكيك في جدوى المفاوضات التي باشرها المغرب بشأن اقتناء اللقاحات.
لماذا تأخرنا عن موعد اللقاح؟
انتقادات لاذعة طالت الحكومة المغربية ومن خلالها وزارة الصحة، أمام صمت رهيب زاد من تعقيد الوضع، وفتح الباب على مصراعيه للتشكيك وتوجيه الاتهامات، غير أن عضو اللجنة الوطنية للتقليح ضد “كوفيد 19” ومدير مختبر الفيروسات بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، مولاي مصطفى الناجي، قال، في تصريح لموقع “سيت أنفو” إن استيراد لقاحات معينة يستوجب إجراءات إدارية معقدة وليست بالسهلة، مشددا على أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار الصراع الكبير الذي شهدته عملية حصول الدول على اللقاحات.
التوصل باللقاح يستدعي حسب الناجي، الحصول على ترخيص يسمى “AMM”، مضيفا “من المستحيل الإعلان عن اقتناء اللقاح صباحا وستتوصل به في المساء؛ هذه أمور معقدة تتطلب توخي الحذر والتمتع بأقصى شروط الانضباط”.
ومقابل ذلك، يجد الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية أن المغرب لم يتأخر في إطلاق حملة التلقيح، بل إنه شرع فيها في الوقت المناسب، على حد تعبيره، مشيرا إلى أنه يجب التركيز على عدد المُلَقَّحين الذين جرى تطعيمهم باللقاح وليس النظر إلى الوراء والبحث عن مكامن الخلل.
وفسر حمضي إطلاق حملة التلقيح بعد شهر دجنبر، بـ “السباق الكبير” الذي عرفته عملية اقتناء اللقاحات من قبل كبريات الدول.
أين اللقاح؟
إن كان من خلاص لأزمة “كورونا” التي عصفت بالعالم أجمع على مدار سنة كاملة، فهو التطعيم، ليتمكن الكل من العودة إلى الحياة الطبيعية، وتجاوز الركود الاقتصادي والمشاكل الاجتماعية والنفسية التي خلفتها الجائحة.
وبعد فترة ضبابية، شرع المغرب في استقبال جرعات اللقاح، في انتظار الإعلان عن موعد بدء الحملة، غير أن سهام الانتقادات وجهت من جديد لـ “سينوفارم” الصينية، والتي حسب العديد من متتبعي صفقات اللقاح، “لم تحترم اتفاقها مع المملكة بشأن توريد اللقاحات”.
مصدر طلب عدم ذكر اسمه، كشف لـ “سيت أنفو” أن تفاصيل الاتفاقيات بخصوص التزود باللقاحات أمر “صعب للغاية وجد معقد”، مبرزا أنه يجب على المواطنين التركيز على ما حققه المغرب في هذا الصدد، دون الخوض في أمور تقنية تهم بصفة أولى مسؤولي وزارة الصحة.
وأكد المصدر عينه أن الأهم حاليا هو أن “سينوفارم” وفت بوعودها وزودت المغرب بجرعات من اللقاحات، مضيفا أن كميات اللقاحات ستصل المغرب عبر مراحل، وفق ما هو متفق عليه.
جاء الفرج.. إعلان انطلاق حملة وطنية للتقليح
لم يكن الـ 28 يناير من سنة 2021 يوما عاديا بالنسبة للمغاربة، بل بمثابة انطلاقة نحو “الخلاص”، حينما تلقى الملك محمد السادس أول جرعة من اللقاح بمدينة فاس، معلنا انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد “كوفيد 19” التي طال انتظارها.
شرع المغرب أولا بتلقيح أطره المتواجدة في الصفوف الأمامية من أطقم طبية ورجال أمن وجيش وأطر تربوية، بالموازاة مع تلقيح كبار السن، الذين أبدوا إقبالا كبيرا على مراكز التلقيح.
حملة التلقيح وطبقا للتعليمات الملكية مجانية لجميع المواطنين، بغية تحقيق المناعة لجميع مكونات الشعب المغربي (30 مليون، على أن يتم تلقيح حوالي 80 في المائة من السكان)، لتقليص ثم القضاء على حالات الإصابة والوفيات الناتجة عن الوباء، واحتواء تفشي الفيروس، في أفق العودة تدريجيا للحياة عادية.
بين 28 من يناير و1 مارس الجاري، استطاع المغرب أن يطعم بالجرعة الأولى من لقاحي “سينوفارم” و”أسترازينكا” (7 ملايين جرعة في المجموع) اللذين توصل بهما 3.568.670 شخصا، فيما بلغ عدد الملقحين بالجرعة الثانية 232.980 شخصا (معطيات وفرتها وزارة الصحة إلى غاية يوم الاثنين 1 مارس 2021).
ويعود المحلل السياسي، محمد شقير ليؤكد في هذا الإطار على الرمزية القوية للملك في عملية التلقيح، والتي حسب رأيه أعطت الثقة للمغاربة في نجاعة اللقاحات المستوردة وقطعت الشك بالقين حول جدواها.
وأكد في هذا المنحى، عضو لجنة التلقيح، الناجي أن المغرب تلزمه 58 مليون جرعة (معطيات إلى غاية 22 من فبراير الماضي)، من أجل بلوغ ما مجموعه 65 مليون جرعة لقاح، التي أعلن سابقا عن اقتنائها.
متى نحقق المناعة الجماعية؟
كثُر الحديث في الأسابيع الأخيرة عن مصطلح “المناعة الجماعية”، غير أن البعض قد يتساءل عن المغزى منه. ويقول الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية لـ “سيت أنفو”، إن المقصود منها هو نسبة المواطنين الذين سيتم تطعيمهم باللقاحات وسيتمكنون من الحصول على المناعة ضد الفيروس المستجد.
ويعود حمضي ليقول: “في العادة ولتحقيق المناعة الجماعية يجب تلقيح 60 بالمائة من المواطنين، لكن هذا الأمر لن يتأتى إلا في حالة توفر اللقاحات على فاعلية تبلغ 100 بالمائة وهو الشيء غير المتحقق حاليا، فكان لزاما الرفع من نسبة الملقحين في المملكة إلى 80 بالمائة”.
وفي السياق نفسه، يرى عضو اللجنة الوطنية الاستشارية للتلقيح، مولاي مصطفى الناجي، أنه من المتوقع أن يحقق المغرب المناعة الجماعية في منتصف شهر ماي القادم، على أن تكون حملة التلقيح قد انتهت في أبريل المقبل.
حمضي يخالف الناجي في توقعاته، إذ يجد أنه لا يمكن الحديث عن مناعة جماعية إلا بضمان عدم دخول حالات سلالات جديدة للفيروس لبلادنا، مشيرا إلى أن حملة التلقيح ستنتهي في شهر يوليوز القادم.
وأجمع عدد من المتخصصين في علم الفيروسات، الذين استقى موقع “سيت أنفو” آراءهم على أن التلقيح لا يعني الخروج من الأزمة، بل هو فقط وسيلة لضمان تحقيق المناعة من تفشيه من جديد بسرعة كبيرة.
بعد التلقيح يتوجب على المواطنين التقيد بشروط السلامة الصحية والاستمرار في ارتداء الكمامة وتعقيم اليدين، مع تفادي التجمعات والأماكن المغلقة، يشدد مدير مختبر الفيروسات بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء.